العدوى، ظاهرة مرضية خطيرة - في بعض الأحيان- قد تكون فتّاكة وقاتلة،
بل مبيدة لشعب من الشعوب، لقد عرف العالم في القرنين 19 وال20 أمراضا
وبائية خطيرة كالطاعون والسلّ والتيفوئيد، لم ينجوا منهما إلا القلّة القليلة
من الناس، وبقدر الأخطار التي عرفتها البشرية من جرّائها، إلا أنها استفادت
منها كثيرا.
فقد تحفّز العلماء والباحثون عبر العالم المستنيرالحر، للتنافس العلمي
النبيل، وتوصّل بعضهم إلا اكتشاف لقاحات وأدوية مناسبة لوقف هذه الأمراض أو
التقليل من أخطارها، وبقدر ما تطوّر العلم والطب، تطورت المجالات الأخرى في شتى
أصناف المعارف ودروب العلم والسياسة والاقتصاد.
وظهرت الحركة المستنيرة التي
تؤمن بالعلم التجريبي، فازدهرت وتطورت المناهج العلمية التجريبية المختلفة، وأصبح الناس
لكل منهم مذاهب وفلسفات حياة، يؤمن بها ويسعى إلى تحقيقها في حياته
اليومية، وفق قوانين سماوية وتنظيرية، تبعا لثقافة كل واحد وطموحاته الشخصية في البيئة التي نشأ ويعيش فيها.
هذا بخصوص الأوبئة التي لا دخل للإنسان فيها بشكل مباشر طبعا،
فهي أمراض قبل أن تكون شئا آخر.
غير أن المقلق في موضوع الحال، هو انتشار
ظاهرة العدوى في المسايرة وتقليد الآخر في كل شئ، خصوصا عند معظم الشعوب
المتخلّفة التي تفعل ما لاتقول، وتقول ما لاتفعل، بدء من قاداتها
ومنظرّيها، وأئمتها ومشايخها، إلا ما رحم ربك، فمن العجب العجاب أن ترى
الناس كلّهم يؤدون الصلوات وقت الجمعة، ومع ذلك ترى من يحرس سيارات المصلين
والمتعبدين حفاظا عليها من اللصوص والمجرمينن فأي إيمان هذا الذي لا يستطيع
المؤمن أن يعبد ربه وهو مؤمن بأن مناجاته لربه تكون خالصة سليمة من
الأخطار المحدقة به ، فإلى متى نصدق الكلام الشائع " صلي وارفع حذائك" هذا
في مجال العبادات، فكيف هو الحال في مجال السياسة والحكم والسلطة؟
إذا
تتبعت الأمر من جميع جوانبه فإنك ترى العجب بأم عينك فهذا مناضل يمسي مع
الإصلاحين، ويصبح مع الرادكاليين، وينشد مع الديمقراطيينن ويتعبّد مع
الإسلاميين، ويثور مع الإنتهازيين والوصوليين، حضرتني هذه الأفكار وأنا
أتابع الحملات التي تدعو إلى المشاركة في المظاهرات والمسيرات التي ستنظم
خلال هذا الشهر بالعاصمة، فما هي الدواعي والأسباب؟ وما هي المستجدات
الظرفية ؟ سوى التقليد والعدوى.
أعتقد أن الاحتجاج أوالرّفض كان مطلوبا يوم
تم تعديل الدستور وفتح المجال أمام العهدات اللامتناهية لرئيس الجمهورية،
أما الآن فالأجدر بنا هو أن يقوم كل منا بعمله ويحارب الآفات المختلفة،
والمتعددة بدء بالرشوة والمحسوبية، وعبادة الشخصية والتعسّف في استعمال
السلطة، والحقرة و والوقوف جميعا في وجه المجرمين، وقطاع الطرق، ومناصرة المظلومين، فالوضع في الجزائر لا أعتقد أنه وصل إلى درجة ماوصل
إليه في باقي الأقطار العربية الأخرى، غير أن هذا لا يعدّ ذرّيعة للبقاء على الوضع السائد حاليا.
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire