mercredi 30 janvier 2013

بحر الشمال وبحر الجنوب


بلدي الجزائرمحاطة ببحرين كلاهما، شدّ الشعراء والأدباء فعبّروا ، وعبروا ، ووصفوا، وكتبوا ، فأبدعوا  أيّما إبداع في وصف جمالها ، وجمال  البحرين المختلفين  المتوازيين هندسيا، والمختلفين شكلا ومضمونا ، ومع ذلك لم يقفا حاجزا منيعا  في وجه المغامرين من شذاذ الآفاق، وسكانها الأصليين، والعابرين لها وإليها ،إن ذهابا وإن أيابا ،منها وإليها عبر التاريخ والأزمنة.
  فقد كان وسيظل بحر الشمال جزء من تاريخ بلادي، الذي عرّف بنا كشعب، وكحضارة في شمال أفريقيا ، والضفة الجنوبية منه، على إمتداد واسع، الأمر الذي جعلنا عرضة لأطماع غيرنا من شعوب وأمم متمكّنة في الآرض، تريد خيرنا وإذلالنا، إن سكتنا، أو انبطحنا استكانة وخوفا، ولم نبادر بامتلاك التكنولوجيا وتسخيرها في خدمة الإنسان والأرض، واكتساب مزيد  من الثراء والثروة، وتنمية الرأسمال البشري، بالأخذ بناصية العلم، وتطويره في كل مجالات الحياة.
أما البحر الجنوبي فهو بحر معنوي رتيب، وإكان فعلا بحرا قديما يسمى ( تثس) جمع بين الثروة والفقر، بين الجنّة والجحيم، بين الحضارة والتاريخ الناطق غير المزيّف بكتابات ملفّقة، كما يفعله الإنسان المتحضّر في كثير من الأحيان لنصرة دولة أو مذهب أو  تبرير النظرة الاستعمارية  كما يحدث  في الغالب قديما  وحاضرا، إنها نقوش الطاسيلي وكتابة التيفينغ التي تزخر بها بلادي الجزائر في بحرها الجنوبي.
  هذا التاريخ وهذه الحضارة وهذه الثروة هي الآن محل أطماع الكثير  ممن لا يحق لهم مشاركتنا أياها.

mardi 29 janvier 2013

الحب في الله


عبارة رائجة في المجتمعات الإسلامية مشرقا ومغربا، بحكم الحديث النبوي الشريف ..ورجلان تحابا في الله. 
لم أكن لأقف عند العبارة السابقة اليوم، لولا أن أحد الأصدقاء  الشباب الطيّبين، حسب ما يبدو من كلامه طبعا، الذي راسلني عن طريق برقية خاصة، شارحا ومستفسّرا وساردا، لقصّة حب في الله، جمعته مع دكتور في الجامعة، يريد رأيي في الموضوع، وربما إسداء النصح والتخفيف عن الضرر المعنوي الذي يكون قد لحق به من جراء هذه الصداقة المزيّفة، غير المتكافئة، ذات الأبعاد غير الواضحة.
وهنا لا أزعم  أنني خبير،  أو محلل  نفسي ، أو مرشد  في العلاقات الإنسانية المتعددة، سواء كانت النوايا سليمة ، أو أنّها تحمل دسائس ماكرة،  مشفوعة بخبث ودهّاء، من أجل قضاء حاجات معيّنة، في نفسية الإنسان غير السويّ، أو ربما حتى الإنسان  السويّ معنيّ بها، لكنه يخادع  ويمكّر ويجحد الجميل، بطبيعة الحال.
وهنا أنصح الشباب والشابات، بألا ينخدعوا بالمظاهر والألقاب والكلام المعسول، وألا يقفلوا عقولهم المستنيرة،  للتمييز بين الغثّ  والسّمين، فالحياة ليست سهلة، والثقة لا ينبغي أن تكون عمياء أو عوراء، بخصوص العلاقات أي كانت هذه العلاقات ، اقتصادية، تجارية،سياسية، اجتماعية ، عاطفية.
فالمؤمن كيّس فطّن،   والشاذ يحفظ ولا يقاس عليه - كما يقال في القاعدة النحوية  في مادة اللغة العربية- فليس كل ما يلمّع ذهبا.
 يبقى على كل واحد منا،  أن يختار باقتناع ، نوع الصداقة والحبّ والمصلحة التي يريد تبادلها مع الغير، وهو راضّ عمّا  اختاره ويريده، دون عتاب أو ندم، قد يأتي لا حقا، فالزّمن يكشف المزيّفين والمحتّالين، والأرّيب بالإشارة  قد يفهم.


vendredi 18 janvier 2013

معذبة في واحة القهر 15


عرس هداية
استقرت حياة هداية بين المصاعب والمظالم النفسية والمعنوية المتعدّدة التي ألفتها منذ المعاناة الأولى مع رجل ظالم متجبر، أخذ منها كل شيئ ،ولم يعطيها شيئا من حنان أو عطف أو اعتبار، كمثيلتها من الأخريات التي عرفتهم هي، وعرفوها، هم بدورهم منذ ولادتها وطفولتها، وشبابها وزواجها، الذي كان عرسا جميلا رائعا، مصحوبا بالتهاني والرقصات المتنوعة، وأنغام الزرنة، وضربات الطبل المدويّة، وطلقات البارود من بنادق صيد تزينّت ومسحت بعناية ليلمع بريقها ولونها الذهبي من بعيد أكثر إضاءة، من بارودها المشتعل ليلا من فواهاتها مصحبوا بدخان كثيف  متراكم على رؤوس الحاضرين الراقصين، على  على أنغام فرقة موسيقية تقليدية، تسمى فرقة الطبّابلة، بقيادة الراقص والطبّال الماهر، الشيخ الحسين الذي كان  في عقده السبعين وهو يرقص و يتمايل في ألعاب شبه بلهوانية، تجمع بين الضرب على الطبل والرقص والتمثيل، في مشهد رائع جمع بين  ثلاثة  فنون في عرض واحد، وقد تجمع حوله المدعوين للعرس، وكثير من الفضوليين الذين انجذبوا عن طواعية وطيب خاطر للتجمع المهرجاني شبه الشعبي في القرية التي تزيّنت للعرس في هندام جميل أنبق، يليق بمقام الحاضرين والمدعوين
لقد كانت الفرجة في القرية،  ودامت حتى الخمس الأخير من الليل، حيث صعد المؤذن منبر المسجد ليعلن حلول وقت صلاة الفجر، فقد هلّل وكبّر وقال: حيّ  على الصلاة
  كانت ليلة عرس  رائعة جميلة، فقد  فرح جميع المدعوين لعرس هداية، ورقصوا لها كثيرا، وباركوا  وتمنوا لها، بدوام السعادة والهناء، والذريّة الصالحة، إلا هداية  فقد تفاجأت، لكنها صبرت، وتمعّنت في مفاجأتها بشيء من التعقل والرزانة  ، وإظهار قبول الرضا  والود ولو إلى حين

mardi 15 janvier 2013

ناقصو العقل والدين


ينسب إلى الرسول الأعظم،  محمّد رسول الله (ص) حديثا، لست أدري إن كان صحيحا أو ضعيفا، أن النساء ناقصات عقل ودين، وهو حجّة لبعض المتفقّهين وأشباههم، لتصنيف وترتيب المرأة في الإسلام ، وجعلها تابعة مطّيعة  لرجل ليس بالضرورة كامل العقل، والدين.
 هذا الرجل  يسعى دائما وبكل ما يملك من حجج وقوّة لمنع المرأة من تبوأ مكانتها الطبيعة في المجتمع، كطرف ثان يساهم  ويكمّل الرجل في كثير من الأعمال ذات الخصوصية النوعية التي تخص المرأة، كالتوليد والتمريض مثلا.
هؤلاء الرجال ناقصو العقل، يسعون في كثير من الأحيان  إلى تحرّيم بعض من  الحلال، وكأنهم، لم  يقرأوا قول المولى عزّ وجلّ: ( قل من حرّم زينة الحياة الدنيا...) الآية، ويتفنّنون في التشبّث بالأمور الظاهرية  الشّكلية للدين، بحجة وهي   سد باب الذرائع، فيحرمون الناس من كثير من النّعم التي أباحها الله لعباده من المؤمنين، ويسعون إلى زرع الشّك في إيمان الكثير من المؤمنين السذّج الذين قد يتأثرون بهم، وبأفكارهم الخاطئة.
  فالحلّال بيّن والحرام بيّن، وبينهما أمورمشتبهات، فلا يحقّ لكل من هبّ ودبّ أن ينصّب نفسّه مكان غيره، ليفكّر ويفتي في أمور الدين، ولا أقول في  أمور الدنيا.
  لأن التفّكيرفي  أمور الدنيا قد لايسمعه أحد لضعفه وقلّة حيلته وحنكته ، فهو ناقص عقل، وربما يكون منبوذا من الجميع ، لفشله الذريع ، وضعف عقله في تصريف الأمور، وتجبّره وتكبّره باسم الدين لا غير.
  لأن ناقص العقل وناقص الدين،  إذاتجرّد منهما، يصبح نكرة،لا يسمعه أحد، وعليه قد تلاحظون دائما، ظهوربعض الأدعيّاء الجدد، والنفعيون، وأصحاب المصالح و بعض الطفيليّين، وكأنهم في صورة أنبياء جدد، أو مبشّرين جدد،  باسم الدين وبعث التديّن أي كان هذا الدين طبعا.

vendredi 11 janvier 2013

تخلاط أم معارضة عفوية



تعيش الجزائر حرّاك اجتماعي سياسي نقابي، هو تخلاط  كبير، بدأ بغلق مراكز البريد، وخروج تلاميذ الثانويات من أقسامهم، وتهديد النقابات بمختلف أطيافها،وصراع الأحزاب من الداخل ضد قادتها (أحزاب التحالف الرئاسي ) خاصة،وارتفاع الأسعار بشكل  مثير وغير منتظم.
وسط نظام هرم، يحاول ترمّيم نفسه، بقطع غيّار مستهلكة  أو مزيّفة أو مستوردة من طيوان.
همّ هذا النظام المحافظة على المكتسبات الريعيّة التي اكتسبها بفعل عوائد البترول  والصناديق الخاصة، ونتيجة للأزمة التي ما تزال تراوح مكانها.
في انتظار حلّ شامل، قد ينصف الكل ولا يستثني أحدا.

mardi 8 janvier 2013

معذبة في واحة القهر 14

حيرة رمضان
اعتاد رمضان على ظروف معيشّية محدّدة من طرف شريكة حياته هداية، التي حرصت الحرص كله على إراضائه وإسعاده، في كل ما تتطلبه الحياة الزوجية العادية اليومية، من خدمات واعتبار خاص له، ولأولاده من زوجته السابقة، الذين تشتّتوا وتفرّعوا في الأرض، شرقا وغربا ،عبر الوطن وخارجه، فكان رمضان وحيدا كبعير شارد، ينشد الراحة والمتعة في واحة من نخيل ،وأنهار عذبة جارية، في غابة غير منتهية،  وغير موحشة، أنيسه الوحيد في غربته، ووحدته هداية  الخدوم، التي تخصّص له جلّ وقتها بعد العودة من عملها الشارق المرهق له، ولدلاله الزائد عن اللزوم
كانت هداية تداعب وتمزح مع رمضان مساء كل يوم بعد رجوعها من العمل، تقص عليه، وهو يسمع، كطفل صغير ينتظر بشغف نهاية قصّة مؤثرة في خياله، حيث يعلّق عليها  رمضان  إمّا ناصحا، أو موجها، أو مرشدا، أو محذرا
كانت هداية صريحة جريئة معه، في كثير من  الأمور الخاصة جدا، فلا تتأخّر مثلا في إخبار رمضان  بالمحاولات التي تعرّضت لها وهي في الطريق ذاهبة أو عائدة، من لدن  رجال يحاولون دائما ، إغراؤها والفوز بأنوثتها وجمالها، فكان رمضان هو  المطمئن و هو المشجع بالصمود والتصدّي لكل محاولتهم المتكررة
لكن بمرور الوقت، تغيّرت هداية بعض الشيء تجاه رمضان، حيث أظهرت بعض من القلق والإنزعاج والعصبية الزائدة بعض الشيء، في سلوكها وتعاملها مع رمضان، الأمر الذي جعله تنتابه حيرة مقلقة، حاول مرارا أن يجلس ويحاور ويستفسر هداية عن هذا التوتر الطارئ في حياتها الذي لم يكن مألوفا لديها من قبل،  ترى ماذا  وقع لها ؟ ألا يكون حبا أو حبيبا أسر قلبها، واستولى على كيانها برمته؟  لكن رمضان  لم تكن له الشجاعة الكافية، أو ربما لم تكن له الطريقة المثلى لمناقشة هداية في هذه التغيرات المحيرة له  بالكامل
حيث ظل  رمضان حائرا شارد الذهن والموقف، خائفا من مصيره المجهول، ومن وحدانية،  قد تكون قاتلة، ومع ذلك صبر وصمد واقتنع أنه من حقها أن تعيش حياتها الخاصة دون رقيب  ولا حسيب ، كأنه يريد أن يجازيها بحرية هي أهل لها، مع بقاء حبّها وودّها له، الذي كان عطفا، أكثر منه شيء آخر
فهم رمضان الرسالة، وهضم محتواها بشيئ من الذكاء والفطنة والتجربة، وآثر أن تكون هداية بين أيد آمنة، خير من أن تكون فريسة ضائعة

lundi 7 janvier 2013

معذبة في واحة القهر 13

فيصل  يتوارى
أظهرت هداية موقفا من حبيبيها فيصل، الذي فهم الرسالة بشكل جيّد، وسعى في أرض الله الواسعة، بحثا عن راحة البال من جهة، والتخلص من عذاب حب عظيم من جهة أخرى ،هذا الحب  الذي تدفّق في تجاهات مختلفة، لم تسلم منه كل الأراضي المنخفضة المحيطة به، التي غرقت هي الأخرى وتشبّعت، ولم تستطيع صرف مياهه الزائدة نحو بحر عميق أو صحراء ذات عروق خالية من الحياة،  إلا من واحة واحدة، ظهرت لتكون جنّة في جحيم، يقصدها اللاجئ في الحين، كلما بانت معالمها في أفق أرض مترامية، تعجز العين البشرية من حصر آفاقها، ومساحاتها طولا وعرضا، إلا بإيحاء من رب عظيم، أو  بتحكّم من قمر اصطناعي ، استغل فوائده إنسان متمكّن عظيم

لقد ضحّى فيصل بحبه مؤقتا، وصرف نظره وباله حبا وتقديرا لمعشوقته هداية التي كانت تنعم في شقاوة لا نظير لها، وسط مجتمع يهيب بالمظاهر،ويقدس الحياة الرغدة ذات المظاهر الجذّابة التي لا تقيم للأنسان وزنا، ولا للخير عطاء وموقفا،تظاهر فيصل بأنه سعيد في حبه لها ، فهو الأنيق المنضبط المحبوب من الجميع، المتفهم لشؤون غيره، العاشق للأمن والأمان، السعيد بسعادة الآخرين، لذا فكّر وكتب لهداية  كلمة في فقرة مختصرة دالة، لاتزيد عن السطرين هي : عيشي حيث أنت، وحيث كنت، وأحبي من من شئت، فالميول التي في القلوب لا يوجهها إلا خالق الكائنات

كانت  تلك هي آخر رسالة لفيصل ، وقد بعثها لمحبوبته هداية  التي قرأت، وستقرأمستقبل حبهما المشترك من خلالها، فهل هي النهاية لحب ولد ميتا، أم أن الحب أقوى من أن يجهض ويوؤد، فهو صفة وليس نعتا، عاطفة وليس موقفا، وجد ليبقى ويرافق الإنسان، مادام حيّا يرزق
تلك هي الفرضية التي توصّل إليها فيصل مع حبيبته هداية حتى الآن

dimanche 6 janvier 2013

معذبة في واحة القهر 12

عن ماذا تبحث هداية؟
اعتادت  هداية على حياتها المتميزة بين واقع معيش، وطموح قد لا يتحقق مطلقا، لكنها هي  التي كانت مؤثرة ومتأثرة بم يدور حولها وعليها، وصفها أقرب الناس إليها بنعوت متعددة ،فهي  المهذبة الساكتة  الصامتة الهادئة، الثائرة المنطفئة ، الغضوب الولود،الراكعة الساجدة، القاهرة المستضعفة، العاشقة الممتنعة، الراغبة المانعة، التي لاتظهر حيث يظهر كل  الناس، ولا تختفي لمجرد التخفي والتستّرعن الأنظار، فهي قد تختفي  للإحساس بنعمة الإختفاء، كانت  تبدو دائما هكذا في حياتها اليومية، بين أخذ وعطاء، وحركة وسكون

هداية اليوم  محبوبة   لعاشق متيّم بحبها،  تداعى لها بالسّهر والمناجاة، طالبا ودّها، ليستثمر في حنانها المقتضب، الذي كانت شحيحة في امتلاكه و توزيعه عليه وعلى أقرب الناس  إليها، وكأنها اشترت هذا الحنان من سوق معلّقة بين السماء والأرض، أو من عالم آخر غير عالمنا  الأرضي هذا
عالم  ينتمي لكوكب آخر، يتحكّم فيه  بشر هم أقرب إلى الجن تصنيفا وليسوا منهم أبدا، وهم أبعد عن الملائكة طاعة، لكنهم ليسوا منهم مطلقا، فهم  ليسوا من الأنس السوي ، ولا من البشر العادي،  لقد اشترت هداية  حنانها، و دفعت ثمنه ربما بعملة نادرة في مجال التعامل والعملة، أو بعملة قلّ مثيلها في زمننا هذا، لذا كانت شحيحة بخيلة  في توزيعه، وكأنه على وشك  الزوال والنفاذ  من الكوكب الأرضي، أو في طريق الاستنزاف الأبدي، وكأنه طاقة  ميّتة غير متجددة، فهل  هداية محقّة  فيم تفعل؟ أم أن للظروف  أحكامها ؟




samedi 5 janvier 2013

معذبة في واحة القهر 11

جرح الجرح  أيقظ  اللاشعور
مرت الأيام بين جدب وعطاء، بين أخضر ويابس، بين لقاء وبعد، بين حب وعداء، بين فرح وحزن، بين مرض وعلّة، بين حياة وموت،  لأنسان عشق وأحبّ الحياة، كأنه يعيشها أبدا،  شعاره  فيها، ولاتنسى نصيبك من الدنيا، لذا كان حريصا كل الحرص، بأن  تكون  كل سلوكاته وتصرفاته متقنة ومنجزة بعناية فائقة، لا يترك للصدفة شيء، ولا للإهمال بابا  إلا من تجاوزه بسبب ظرف طارئ  لم يكن منتظرا،  أو بسبب الضعف  وقلة الحيلة ، أو بسبب سوء التقدير وقلة الخبرة
 هذه المرة فيصل يضعف  وبان  ضعفه أمام الجميع، فالرجل المحب لا يستطيع دائما إخفاء حبه حتى وإن حاول أو تظاهر بفعل ذلك أمام غيره  من الناس ، اتقاء لألسنة السوء غير البريئة في اتهاماتها المضلّلة، كانت الحياة عادية جميلة، وحبّ فيصل لهداية في ازدياد مطرّد لم تسعه الجبال التي تربّى بين أحضانها، ولا كميّة الهواء الذي استنشقه عبر ذهابه وأيّابه من وإلى المدرسة في الفصول السنوية  الثلاثة التي اعتاد استغلالها  كجزء من حياته الدراسية المألوفة، بين حفظ وتذكّر واكتساب، محاولا التفوّق على أقرانه دائما، بل الحفاظ على تفوقه الدائم
فجأة استيقظ فيصل كمن  مسّه أوعطبه في جرحه  شبه المندمل، هذا الجرح كان جرحا عميقا جدا، لقد تفوّهت  هداية بكلمة لم تكن لتخرج منها، لولا الأسئلة الذكّية العفوية  التي طرحها عليها حبيبها فيصل،  وأباحت بها هداية  ربما من غير قصد منها، فكانت  بمثابة القنديل الذي أنار الطريق لحبيب  أعمى في حبه ( فيصل ) وكفيف في رؤية  عيوب حبيبته (هداية ) العاشقة في منطقها ، المعجبة بشخصية حبيبها في نظر فيصل ليس إلا، فهو الخبير المدلل في مجال الحب، فقد عشق كل نساء الدنيا إلا هي فقد كانت حبا ليس كمثله عشقا، وتأثرا ليس كمثله تأثيرا..فصحى ضمير التأنيب تأججا، ليعاقب ويؤدب ويحاسب محبّ ، لم يخطء في حبّه، إنما واقع الحال أظهر جفو حبيبته، فكانت بالنسبة إليه عاشقة لا تقلّ ولا تزيد عن امرأة مغرورة،  ربما قد عبثت  بغيره، والشعور بظلم الشيء أكثر ألما  وتأثيرا من وقعه المباشر على المظلوم نفسه    
   


jeudi 3 janvier 2013

معذبة في واحة القهر 10


معاناة فيصل
المثل الشعبي يقول: (ثلاثة أشياء غير مقبولة، من يمشي في الطريق وينتظر الحصول أو العثور على  المال، والشخص المتجه نحو القبلة وبال، والرجل الذي يعشق المرأة وهي على  ذمة الرجال)، هذا المثل الذي يعرفه فيصل  ويعي جيدا مغزاه ومحتواه وانعكاساته فى المجتمع، هذا المثل شبه الشائع  ورثه  فيصل  واكتسبه من الثقافة الشعبية المتاصلة فيه، فهو ابن الشعب الذي خرج من وسطه  يشعر بمعاناته ويفرح لمسراته،  فهو منهم  وإليهم ، حتى وإن كان للحب طقوس ومعابد لا يلج إليها إلا المحبين الصادقين في حبهم ، الذين قد  يتخلّون عن استعمال  العقل و المنطق في عشقهم المتميز، مثلهم مثل  الراهب المتعبّد في محرابه ، والقس الذي انذر نفسه وحياته للربّ، فانزوى  في معبده  تاركا أمامه ملذات الحياة الدنيا،وشهواتها المتنوعة، فمثل هؤلاء لايستحقون أن تعرض عليهم نظريات في  المنطق وأهميته، ودور العقل في الاختيار والتفكير فيما يعتقدون ويؤمنون، فقد اختاروا وآمنوا بم اختاروه، عن طواعية وطيب خاطر، وهم سعداء بذلك كل السعادة، ويسعون دائما إلى نشر سعادتهم وفضيلتهم  وإيمانهم على غيرهم  ممن يحبون من الناس الخيريّين من وجهة نظرهم التعبدية طبعا
فيصل اليوم عاشق متّيم متورط ،غارق  في يمّ عميق من الحب ، يبحث عن مخرج إنقاذ، لا يهم وسيلة النجاة، المهم أن ينجو بحبه وحبيبته إلى برّ الأمان، لكن هداية كانت تئنّ وتتعذّب أكثر منه، فقد أضيف هذا الحب  إلى تراكم عذابها ومعاناتها، فحبّها القويّ لفيصل الذي أصبحت جزء منه،  إن لم تكن هي الحب كلّه
كان الإثنان معا، فوق صفيح ساخن، يمكن أن يطبخ عليه سمك طازج خارج على التو  من بحر حبّهما الجارف،  كانت اللقاءات بين فيصل وهداية  قليلة، والاتصال المباشر بينهما شبه منعدم،  لكن الشوق  كان كبيرا فياضا حارا، فيصل إنسان  محترم متأدب جاد في سلوكاته وتصرفاته ومعاملاته، وقد كان  حريصا  على صون كرامة عشيقته وسمعتها، فكانت بالنسبة إليه، أشرف من الشرف نفسه، لذلك تداعى لها بالسّهر والدعاء، بأن تكون له كاملة، بعد المعاناة التي عاشها ويعيشها معها، والتي اعتبرها جزء من حبه الذي اختاره قلبه، حبا خالصا،وقد لا يندم عليه أبدا، فالحب ليس اختيار كقميس نلبسه، بقدر ما هو مشاركة هامة وبسرور وسعادة، في  متعة المعاناة وتقاسم  للمهام والأدوارفي انشراح تام، وسعادة كاملة بين المحبين جميعا



mardi 1 janvier 2013

معذبة في واحة القهر 9

شيء في صدري
جمعت هداية أمتعتها الخاصة وسافرت إلى حيث مكان قضاء العطلة  الشتوية وأعياد رأس السنة، كانت سعيدة بهذا التغيير الجميل في حياتها الذي اعتادت على ممارسة طقوسه باتقان خلال  كل عام، لدرجة أن مكان الاستقبال، أصبح يعرفها ويعرف زوجها رمضان ، وكأنه أي المكان  أراد أن يساهم في حراستها وأمنها والتبليغ عنها عند الحاجة الملحّة الطارئة التي تخصها أو تتعلق بها سواء من قريب أو بعيد
كان الوصول لعين المكان مبكرا،  لتجد في استقبالها أناس طيّبون وفضوليون، كأنهم  درّبوا ليكونوا كذلك، إنها الحياة التي يعتاد الإنسان عليها، لتصبح طبيعة ثانية في الشكل والممارسة والمضمون، ارتاحت هداية ورفيقها  قليلا في بهو الاستقبال،  وكانت تراقب الداخل والخارج  وتركّز النظر بشكل حاد في الاتجاهات المختلفة، كرجل أمن  يقوم  يمعاينة  المكان الذي وقعت فيه الحادثة، أو محضّر قضاء يعاين ويشهد على ماجرى في المكان المكلف بمعاينة أحداثه الطارئة، أو كخبير معماري جاء ليراقب ويشهد على  التغّيرات التي طرأت أو قد تطرأ على المبنى المراد تقييمه وتثمينه، لقد شرّد ذهن هداية مع الداخل والخارج، إلى درجة أنها نسيت محيطها ومستقبليها في مكان الاستقبال، الذي  عجّل العون المكلف بالاستقبال،  بأخذ بطاقات التعريف  وملء الاستمارات الخاصة بعدد وأيام الضيافة، كانت  هداية واقفة ثابته كعمود  في شبكة مرمي في ملعب لكرة القدم ،  لا يهتزّ ولا يتحرك  إلا بفعل الركلات القويّة، لكرات مقذوفة كصواريخ راجمة بأقدام قويّة، متينة مدربّة لممارسة ذلك، لكن هداية لم تصلها أية قذفة منها ، فظلت  واجمة جامدة إلى أن أغميي عليها وسقطت  أرضا مغشيا عليها، ليسرع الجميع نحوها حاملين معهم كل الوسائل الممكن استعمالها في ظروف كظروفها هذه،  فالعطر والمفتاح كانا حاضرين حولها ومعها وفي يدها وأنفها، في انتظار قدوم طبيب الاستعجال بمحطة الضيافة التي قصدتها هداية وزوجها رمضان
بعد لحظات  استفاقت هداية لتجد حولها أناس حائرون من أمر حالاتها هذه ،الكل كان  يبحث، يستفسر يسنقصي يشرح  يتساءل....إلا هداية  فقد  نهضت  ثم استقامت  في مكانها، وأشارت بالبنان  للجميع رجالا ونساء ،  بألا شيئ يستحق الإهتمام  والمتابعة، ثم أردفت بصوتها الخافت الحنين.....شيء في صدري

النهضة

 النهضة عرفتها اوروبا في العصور الوسطى، وقد ادت إلى تغيير كبير في الحياة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، إلى درجة أن العالم خرج من الظلامي...