تربى حتى كبر ، وسط أسرة محافظة مغلقة، حرم فيها كل أشكال المرح والمتعة التي كان يتمتع بها أقرانه من الأطفال، فكان يتيم الأبوين أو هكذا شبه له ، مع أنه لم يكن من أسرة فقيرة ولا معوزة أبدا.
كان متفوقا على أقرانه في الدراسة والفطنة والأخلاق وأمور الحياة كطفل في عمر رجل كبير، لذلك كان يتلقى الضربات الموجعة المؤلمة من أقرب الناس إليه ويحاول تجاهلها وهو غلام بين المراهقة والصبا ، هذه الكلمات المؤلمة لم تنمح من ذاكرته بل ترسخت كباقي المعارف التي اكتسبها وخزنها في ذاكرته الضغيرة الدقيقة ليتحدى بها العالم كله وليس محيطه الضيق فقط.
كان ضعيف البنية متوسط القامة جميل الطلعة نبيه الذكاء ، فطن، سريع التأثر ، مرهف الحس، حاضر الحجة، محبوب من طرف معلميه، محترم من نظرائه وأنداده من التلاميذ ، ومرغوب فيه عند الفرق الرياضية للكرة.
كان يجعل من نفسه شبه نكرة بسبب الحياء والخجل الذي تربى فيه، لكن كان في نظر غيره شعلة منيرة وسط محيطة ، فكان الأول في الاختيار، والأخير في حال شبهة الاتهام.
كبر حتى استوى ظله ، وتحرر من محيطه الضيق ، الذي كان قاسيا عليه في كل شيئ ، من حيث التمييز في المعاملة ، والفقر والوحدة ،هذه الأشياء اللعينة التي ترسبت في ذهنه، وتخزنت في ذاكرته ، وكأنها من الشواهد والأدلة الثابتة التي تدين وتثبت ظلم الفقروالتمييز في المعاملة والبعد عن الأسرة.
هذا الفتى الذي كبر لم ينس زميلته التي كانت تحبه وتنافسه في المعرفة وحب التفوق دائما، وكان هو يسرق منها النظر خفية وينعم بجمالها ورقتها وعذوبة كلامها في أحلام يقظته كان يتمنى ألا تغادر مخيلته أبدا.
لكنه ابتعد عنها بسبب الظروف أو بالأحرى أن الظروف هي التي باعدت بينهما، فغرب هو، وشرقت هي، وانقطع خيط التواصل بينهما مدة سنين غير مقدرة بعدد، لتأتيه يوما وهو في مطعم الجامعة ، وقد كبرت وزاد جمالها واتسع بالها وظهر جمالها مكتملا حيث الشعر الأسود الغجري، والعيون الخضر الذابلتين، والوجه البدري المستدير، والحواجب شبه نونين فوق رموش عينين جميلتين.
كانت ابتسامتها تتلألأ لتظهرأسنان عاج لامعة ،في رأسيظهر من بعيد لقامة ثابتة متزنة تسر الناظرين وتسعد العاشقين،
اقترب منها، ثم همس في أذنها بهمسة رقيقة .. قائلا لها: هذا الجمال كبرت معه ، وقد كبر عني الآن.. وقد كان ردها سريعا وكأنها كانت على موعد معه، حيث قالت له: لولا أنني لا أعرف أنك هنا ما جئتك اليوم قاصدة.
أمضيا اليوم كله معا ، ولم تنه قصتهما إلى الآن.