جلس بالقرب مني يتناول فنجان قهوّة مركّزة وهو يدمدم مع نفسه بكلام غير مفهوم ، ثم استوى على كرسيّه وأشعل سيجارة ونسي أنه في مكان عام يمنع فيه التدخين وإزعاج الآخر.
كان كهلا قد تجاوز العقد الخامس من العمر ، أو هكذا بدا في مظهره ، فالتجاعيد ظهرت على وجهه كخريطة صماء تحتاج من يضع لها مفتاحا ليقرأها الجميع.
لم يستطيع الصبر أكثر من دقيقتين ليسألني: هل أنت متقاعد ؟ قلت له: ليس بعد.
فشعر بنوع من الخجل أو الحرج لأنني لم أكن متحمّسا للدخول معه في حوار أو دردشة ثنائية ، وكأنه قرأ مزاجي الظاهري بأنني منشغل بأموري الخاصة ولا أريد منه شيئا سوى مناصفة المكان والهدوء التام.
ثم واصل الحركة في مكانه كدجاجة حلّ بها المخاض لتضع بيضتها ولم تجد المحضن اللائق لذلك، فظلّت تقاقي وتدور لعل الله ييسّرلها أمرها ، فتبيض حيث ينبغي أن يفقص البيض وتخرج الكتاكيت.
لكن صمتي الرهيب في نظره جعله ينفّجر صارخا ليقول كلاما كبيرا، عرفت من خلاله أنه أمضى حياته في التعليم والتعلّم، كوّن أجيالا وجيشا من المتعلّمين وخلّف أحفادا وأولادا لكنّه يعاني ألما جسمانيا يلازمه، وألما معنويا يعذّبه.
عندها عرفت أنه معلّم للصّبية أصيب في شيخوخته بمرض الزهايمر، وقد سرق نفسه وخرج من البيت متستّرا بعدما هادن حارسته الأمينة وهي رفيقة حياته ، ليجد نفسه أمامنا.
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire