نشأ وحيدا، في ظروف لم تكن كغيره من أقرانه في مثل سنه، فهو اليتيم في وجود الوالدين، المتشبّع بالروح الوطنية والدينية المتناقضة، مسلم الأب، كاثوليكي الأم، عاش وتنقل بين مجتمعين، مختلفين حضاريا وثقافيا.
لقد كبر ونمى محاند وسط هذه المتناقضات، حتى استوى عوده، وأصبح شابا يافعا متعلّما، يبحث عن ذاته، وسط تراكمات ذهنية، متعدّدة في نفسه، لتجعل منه شخصا غريبا في وطنه.
لم يعرف محاند الحب والحنان الأبوي، ولم يسبق أن استانس برفقة جنس ناعم، كغيره في مجتمع أمّه المسيحية.
شاءت الأقدار والصدف، أن تعرض محاند لحادث مرور خطير، قتل فيه أعزّ أصدقائه المقربين منه، ورجع هو من موت، لم يوقّعه إله رحيم بعباده، فانتقتل إلى العلاج في بلد الإنس والملائكة، في باريس يلتقي محاند بملكة رحمة، اسمها مارغريت كانت له الطبيبة، والممرضة المعالجة، ارتاح لها وسكن إليها، كانت الأخت والحبيبة، الصديقة العاشقة والمعشوقة، كانت كل شيئ إليه، وإلى قلبه المرهّف
تبادل معها كل ما تحتاجه علاقة رجل بامرأة يحبّها وتحبّه، في كل شؤون الحياة، كانت مارغريت مخلصة، محبّة هادئة، مطيعة، رائعة الجمال والأخلاق، حنونة جذابة
لكن كل المتناقضات التي غرست في صغره وطفولته، نمت وكبرت، وجعلت من محاند رجلا يفكر كأبيه، المجاهد المناضل الوطني، المخلّص لوطنه، صاحب الكلمة المسموعة في أهله، وعرشه وجهته، وبلده الجزائر، لتكون العلاقة بين المحبين محاند ومارغريت مجرّد قصة عابرة، مات معها الوفاء والصدق، وبرزت بقوّة قصة والديه الجزائري، بأمه الفرنسية، وما جنى منها محاند من معاناة، وظلم وقهر، من أخواله، وأعمامه، وكأنهم اتفقوا جميعا على ظلمه، وقهره وعزله.
فقرر محاند، أن يعتزل الحب وينسى الحبيبة، ليأخذ ويتزوج، ما انتقاه له أبوه، المستبد بأفكاره، ووطنيته الجياشة، ويبني بسعدية بنت قريته، ووطنه البنت الهادئة المتعلّمة، المتواضعة، الخلوقة، كقناعة منه أولا، وأما لأولاده ثانيا واستجابة لرغبة والده ثالثا
فهل يموت الحب القديم معها؟ وهل الحب نعت أم صفة، هنا؟ ذلك ما اقلق ويقلق محاند،الطيب الساذج في نظر شباب القرية في عصره الراهن، ويجعل منهإ نسان راهب قديس، في كثير من الأحيان، ومسلم ثائر، يبأبّى الإنحاء لغير الله، والطاعة للرسول (ص)، أو هو شبه نبي، يتعبّد في مكان آمن، لأنه يهوى الخلوة والخلاء، والسكون في رحب الطبيعة والحياة ، وكان محاند كمن يبحث دائما، عن شيئ مفقود، لم يمسك به أبدا.
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire