تربّى وكبر متطفّلا، بين أخواله وأعمامه، فكان كلما جاع حلّ بأخواله، وكلما تعرّض لاعتداء وسبّ من أترابه، استنجد بأعمامه.
هكذا كبر مصطفى في صراع مرير من أجل الحياة واعتبار الذات، إلى أن استوى عوده كشاب مكتمل الفتوّة والنشاط، فانضم إلى كل الجمعيات المحلية في مدينته منذ تأسيسها الأول، وظلّ مناضلا متطوعا فيها، يستفيد منها كلما أتيحت له الفرصة، بغظ النظر عن أهداف هذه الجمعيات ومطالبها المختلفة.
ثم عرّج على الأحزاب السياسية والجمعيات الوطنية كمنخرط، لا يملك إلا الصوت والحضور والتوقيع والتمثيل وسد الفراغات، وإذا اقتضت الضرورة، القيام بأعمال بلهوانية استعراضية لكسب ثقة الناس، وتخويف المتردّدين منهم خاصة.
ساعدت سياسة تعدّد العهدات للمترشحين، المنتهجة من قبل النظام، ليكبر سياسيا فينخرط في التنسقيات المساندة لفخامته، فأصبح يغرف من المال العام، ومال الأثرياء والوصوليين والانتهازيين والطمّاعين والشياتين، فأخذ إسما دعائيا كسجّل تجاري متميّز، وظّفه واستعمله في الكسب المادي والمالي، في الحملات الانتخابية المتعددة، التي لا تهمّه فيها سوى المبالغ المالية التي قد يحصل عليها من جرائها.
لذا كان مفاوضا شرسّا،عنيدا في مفاوضاته لأكبر زعماء الأحزاب المنافسة في الانتخابات ، الذين وصلوا إلى رئاسة أحزابهم بقدرة قادر، في كسب الأموال، والتفنّن في التحايّل على المواطنين المصوتين على مترشحين في دور أرانب سباق لكل الانتخابات الوطنية المتعددة التي مرت بها البلاد خلال المرحلة التعددية.
كان مصطفى طماعا لايشبع أبدا، في كسب أموال من نظام اعتمد طريقة مكشوفة للبقاء في السلطة والحفاظ عليها بكل الطرق
لذا كان عين السلطة، في إثارة الفتن والبلابل والثورات المحلية المغرضة، التي كان الهدف منها امتصاص الغضب الشعبي، كلما كاد أن ينفجر في بركان أو سيل عارم لا يبقي ولا يذر، حيث يتم القمع ،وتستكين الأمور، وتتحوّل المطالب الشرعية المعبرة الصادقة، إلى مطالب أخرى فرعية، هي اطلاق صراح المعتقلين الثائرين، بفعل الغضب الشعبي ويستكين الأمر إلى حين
فكان مصطفى المستفيد الأول والأخير دائما، في الريع والمنصب والزعامة، بحكم اتقانه للحوار والتمثيل والتفاوض، واستغلال السذّج من الشباب المظلوم دائما ، بحكم الطيبة والتهوّر وشدة المعاناة التي يعيشها هؤلاء الشباب والشابات
فيتبوأ مصطفى المكانة الرائدة في التمثيل الشعبي، والتكلم باسم الثوار،ليمللأ حساب رصيده بأموال، كعربون لشراء الأمن والاستقرار في بلديته، مقابل وعود غير صادقة، تمنح للسذج من سكان البلدية وهكذا دواليك
اكتسب مصطفى مهارة، وسمعة،، فسوّلت له نفسه الطموح أكثر، فترشح على رأس قائمة من القوائم الانتخابية، ويفوز برئاسة مجلس شعبي بلدي في مدينته
فتحوّل من متطفل، إلى زعيم ورئيس مبجّل، لكن الطبع يغلب التطبع، فانغمس مصطفى في الملذات، والشهوات ،وجعل من المال العام ملك يمينه، يبذره حيث يشاء، ولم يوضع أي حساب لسلطة أو إله يمهل ولا يهمل، فكانت النهاية لأحلام غير منتهية، زنزانة من الزنزنات الخاصة بالمجرمين واللصوص وقطاع الطرق، عندها اقتنع مصطفى، أن ما أسّس على باطل، فهو باطل، فكان السجن أحبّ إليه، لتعاد ربّما تربيته من جديد.