أكتب عن ذلك الذي يقبع في كوخ، لا يرى إلا الشمس عندما تشرق وتغرب، ليجعل منها مواقيت
يومه في صلاته وعمله، حيث جعل من الطبيعة تاريخا وحياة، لايعرف من العلم إلا القليل ،مع أنه يملك مهارة وكفاءة في الزرع والحرث والنسل لم يتعلمها في مدارس ولا مؤسسات ،ولكنه ورثها واكتسبها باتقان أب عن جد ،قلما يخطئ فيها إلا إذا خانته الطبيعة بأخطارها ،عندها لا يعرف إلا الدعاء لله والرضا بالقضاء والقدر.
ذلك هو المواطن الذي همش نفسه وقت الاستعمار، لأنه كان مقتنعا أن التهميش هو الحل، وكل تقارب أو اقتراب من الاستعمار، فهو انتحار إرادي له. فكان يصنف من الأهالي العرب الذين لايدخلون المدينة إلا لجلب قارورة الغاز السائل لإناره كوخه، او اقتناء بعض أغراضه التي لم يستطع أن يوفرها من بيئته التقليدية التي كبر فيها.
هذا المواطن التاريخ ،هو الذي خرجت ذريته إلى المدينة بعد الاستقلال، لتعيش كما كان المعمرون يعيشون ويمرحون، دون أن يتغيروا لا في فكرهم القروي ،ولا في معتقداتهم ،ولا في طريقة معيشتهم، حيث انتقل الريف بكامله إلى المدينة، وتغير المجتمع تغييرا جذريا في مستوى المعيشة دون تحضير مسبق مدروس بعناية في معظم فترات تطوره.
هذه الوضعية الجديدة أنتجت فئة اجتماعية غير مقتنعة بتوزيع الريع والمناصب والمسؤوليات توزيعا عادلا بين المواطنين ،بسبب ازدواجية لغة التعليم وبسبب الشرعية التاريخية أي الأسرة الثورية ، والموروث الاستعماري الثري الذي احتكرته فئة معينة من الجزائريين ،مما كان يسمى الممتلكات الشاغرة التي تركها الاستعمار في السهول الخصبة.
وفي بداية هذه الألفية الجديدة ، ونهاية الألفية الماضية، لاحظ هذا المواطن التراس الذي تحول إلى مواطن جديد متعلم طموح، أن هناك خلل ما في توزيع الثروة والسلطة والمنصب ،وأن احتكار هذه الأشياء باسم التاريخ الثوري أو الديني أو الجهوي أو الفئوي غير مقنع، لذلك كانت هناك انتفاضات واحتجاجات تجسدت في قطع الطرق وغلقها من أجل المطالبة بالعدالة والمساواة والديمقراطية في كل شيئ.
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire