السلفي التاجر

أزوره كل يوم أو يوم بيوم، أشتري منه بعض حاجاتي ، أحييه دائما ولا أتحاور معه، بل لا أسأله إلا  بخصوص نوع بضاعته، لا أطلب منه أن يختار لي أو يفضلني عن باقي زبائنه ، ومع ذلك نطقت سيدة  كانت تنتظر دورها لتشري  منه حاجتها ، بقولها  : زن لي  مما وزنت لهذا  هذا، أي كانت تقصدني أنا طبعا، فتبسم في وجهي، وليس في وجهها !

كان صاحبنا تاجر في هندام لباس رجل متدين، حيث القميص الممدود على طول قامته حتى الكعبين، ولحية كثيفة مختلطة بلوني السواد والبياض، وعمود السواك الذي  لايفارقه،  وكأنه يستعد لإقامة صلاة مودع أو هكذا يظهر دائما.

كان حريصا أن يظهر لي  ودا  عند تعامله  معي،  وأنا لا أبالي من تصرفاته ، لأنني كنت  أعتبر ذلك من صميم عمله، وطريقة متميزة في ممارسة  تجارته، كان في الغالب وأنا  لا أعرف السبب ، يترك بيني وبينه  بضع دنانير  ويتظاهر بأنه لايملك الصرف، لكن دون أن يسمح شيئا، كأن يقول، نسالك خمسة دنانير مثلا.!

قصدته ذات يوم كعادتي به ، برفقة صديقي وصديقه  اللائكي أو الملحد،فلاحظت أنه يتعامل معه بطريقة مختلفة تماما غير التي يعاملني بها، فقد أعطاه كفة الميزان ليختار بنفسه كل شيئ يعجبه، إلى درجة الإختيار غير المألوف في عرفنا منذ النظام الاشتراكي إلى  اليوم، كان صديقنا  نحن الاثنين، يمازحه ويحاول أن يثيره بأسئلة تهكمية، وهو يختارالسلعة، مثل أين تصلي  الجمعة اليوم ؟، رغم أنه ليس بيوم جمعة، وهو يبتسم من أسئلته هذه، وهكذا كان الحوار والدردشة إلى أن  لبى له كل طلباته، ليأتي دوري بعده، حيث رجع صاحبي إلى عادته القديمة المألوفة التي رسمها هو بيني وبينه.

عندها غادرناه بعدما دفعنا له قيمة مشترياتنا عدا ونقدا. سألت صديقي هل تعرفه ؟ قال: اشتري منه لأنه سلفي متدين، وهو يظن أنني سأكون متدينا ذات يوم  مثله ، وهو هكذا  كما ترى ،يفاضلني ويعطيني حسب ما اختاره أنا  من بضاعته، وفوق ذلك هو  لايغشني  في الكيل ولا في الميزان، لذلك يعجبني وأتعامل معه دائما، بينما أنا التقي به في الغالب  في المسجد عند  أداء صلاتي الظهر أو العصرولا يفاضلني!.

قلت لصديقي  ورفيقي ،الذي يراه السلفي ملحدا ، ما رأيك في سلوكه؟ قال: يعجبني كل السلفيين عند البيع و الشراء، وهم أصدقاء لي في التعامل، مع الأسف هم  لايبيعون نبيذا  ولا خمرا...!