أتذكر كيومي هذا، بعض الأيام التي مضت من طفولتي ومراهقتي ، وأنا أسكن في الدوار حيث الطبيعة عذراء، وحال المعيشة لاكهرباء ولا ماء في أنابيب، وإنما الماء يِأتى به من الينبع أو العنصر أو العين هكذا كان يسمى المكان الذي نجلب منه الماء. كانت حياتنا بسيطة جدا ، قائمة على الإكتفاء الذاتي في كل شيئ، حيث نحرث و نزرع ثم نحصد، وهي القاعدة السائدة قبل ظهور ما يسمى بالثورات الزراعية والصناعية والثقافية في الجزائر، وكانت المدرسة بعيدة جدا ولا يدخلها كل الأطفال وخاصة الإناث، لذلك كانت حياتنا صعبة.
كان فصلا الصيف والخريف مصدرا رزق وعمل بالنسبة إلى كمراهق، إذ كنت أجمع البخسيس التين الطازج الطري، والهندي وأحمله في يدي على مسافة بعيدة ، لاتقل عن التسع كلمترات أو تزيد، إلى حيث الطريق الوطني رقم 5 لأعرض ما حملته في سناج أو قشولة أي - إناء مصنوع من القصب والحشاد - على المسافرين المارين عبر هذا الطريق الوطني الرابط ما بين الشرق والعاصمة الجزائر.
كنت أفرح كثيرا عندما يتوقف صاحب سيارة مرقمة بـ s أي القبائل الكبرى أو تيزي وزو أنذاك، لأنه أي في الغالب يكون صاحب السيارة أو الشاحنة مشتر جاد ، ويدفع السعر الذي أطلبه منه دون تفاوض كبير. أما إذا توقفت سيارة مرقمة بـ m أي من نواحي سطيف بجاية ، فإن المشتري يكون صعب التفاوض في السعر المقترح هذا من جهة ومن جهة أخرى أن هذا المشتري يسمي بضاعتي أي البخسيس الذي أعرضه عليه باسم القرطوس، وهو مصطلح جديد لم أكن أعرفه من قبل ، لأن الكرطوس في لغتنا بخسيس لم ينضج بعد،ثم أن هذا الزبون السطايفي يميل كثيرا إلى فاكهة الكرموس أو التين الشوكي أو الهندي في الغالب.
كان الحال هكذا طيلة فصل الصيف وجزء من الخريف، كنت في الغالب أجمع مبلغا مقبولا للدخول المدرسي وفي نفس الوقت قضاء وقت على شاطئ بومرداس الذي لايبعد كثيرا طبعا بعد بيع البضاعة.
وهنا أتذكر أن ورقة الخمس دنانير الورقية صاحبة صورة الفنك أو الثعلب، كانت ذات قيمة وهي بمثابة الخمس مائة دينار الحالية كأن فيها بركة كبيرة أو هكذا كنت أتصورها دائما.
أذكر يوما كان معي رفيقا، من الدوار يبيع الرمان وقت الخريف الذي صادف شهر رمضان الكريم ، وكان كلما سأله مشتر هل الرمان حلو أو قارس؟ كان يقول دائما حلو، وهنا يأتي من يعرف الرمان من شكله، وهناك من لايعرف فيشتري القارس على أساس أنه حلو، حتى جاء قبائليي مغترب حيث سأله ، الرمان حلو أو قارس؟ قال له حلو، قال له المشتري : ممكن أتذوق واحدة ؟ قال له نعم، لأنه كان يعتقد أنه صائم ولا يتجرأ على التذوق، ففتح حبة ، ثم قدمها لزوجته المرافقة له والتي لم تكن صائمة ربما لعذر شرعي أو لم تكن قبائلية ، الشيئ الذي لم ينتبه اليه رفيقي بائع الرمان، عندها انكشف أمره، وهنا وبخه بموعظة وعبرة، ثم تكرم عليه بسعر الرمانة وتركه في مكانه ، هنا تفظن رفيقي أن ما قام به عمل غير أخلاقي، وقد تأسف كثيرا لمن باعهم الرمان القارس على أساس أنه حلو.
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire