عم الظلام بإسدال ستائره على المدينة كلها ، ولم يبق إلا شعاع وميض من النور، ينبعث عبر نفق قريب منا ومن مدينتا، ليميزها عن غيرها من المدن المجاورة لها.
كان الطقس معتدلا مع تساقط خفيف للمطر، تساقط في شكل قطرات حاملة لأحماض مضرة أكثر من نافعة ، إنه فصل خريف في مدينة ساحلية بحرية جزائرية، هذا الطقس المعتدل، ألفناه وتعايشنا معه منذ أمد تخاله أزل لم ينته أبدا.
كنا ثلاثة، ورابعنا دليلنا في السياقة، الذي أتقن الدور والوظيفة شرحا وأداء.
بعد تناولنا للعشاء في مطعم فاخر يليق بنا، مع مرطبات فصلية شهية معدة ومحضرة بطريقة لذيذة غربية غير شرقية، فرنسية أكثر منها جزائرية.
بدأت رحلتنا الليلية.
وسط نور واضح وتوقف شبه تام لحركة مرور السيارات، إلا بعض الشاحنات المعتادة على الطريق والمكان، في طريق ساحلي سيار، كنا نسير ونتجول من مكان إلى آخر، وكأننا نقوم بعملية اكتشاف أو تفتيش لانتقاء مكان لم نعرفه من قبل.
بعد أخذ ورد واستعراض لما عرفناه من أماكن سبق وأن زرناها، اهتدينا إلى مكان شبه منعزل، يقال له أو يسمى ملهى ليلي معروفا ومشهورا في المنطقة كلها، ذو إسم وخدمة متميزة -حسب الأصداء وحسب دليلنا- طبعا.
بعد ما حجزنا في مركب سياحي جميل مطل على البحر حيث يتبادل الصدى مع أمواجه عند المد والجزر،مع موسيقى المركب السياحي المنبعثة من الملهى الليلي كنوع من التحدي، بين الطبيعة وما ابتكره الإنسان واخترعه في مجال الصوت، وآلات نشره وتوزيعه، ليتمتع الإنسان بجمال الموسيقى والنغم.
ثم عدنا إلى الملهى الليلي الخاص السابق الذكر، في حدود الساعة الحادي عشرة إلا النصف، كان المكان جميلا رائعا تنبعث منه أضواء بألوان مختلفة تشد الناظر وتحفزه على البقاء والمكوث والاستقرار فيه.
إنها نمط من الحياة الجميلة الرغدة،التي إعتاد عليها بعض الأثرياء والنافذين في السلطة والحكم، وكبار التجار وفئة صغيرة من المخنثين الذين أووا المكان كنوع من النمطية في اللهو والمجون.
كان المكان آمنا من غير شك والمتعة متنوعة ، وروادها من نمط خاص وعام، وأبطالها محترفون بمهارة وأداء.
فيه من النساء والغلمان والخمر الغالي، وعصير الفواكه المتميزة اللذيذة، حتى يخيل إليك أنك في عالم ليس بعالم ولدت وعشت فيه.
هذه الحياة الماجنة الرغدة ، لم أكن لأكتشفها لولا الفضول ومرافقة صديق.
لكن من اعتاد على البساطة والهدوء، لم يكن ليستطيع المكوث لأكثر من نصف ساعة.
فقد غادرت المكان في حركة شبه متسترة ، حتى لا أفسد السهرة، لمن أعتاد أن يعيشها كنمط من الحياة.
ولله في خلقه شؤون.