قصد المكان من غير رضاه ، وقد كان منزعجا بعض الشيئ أو هكذا بدا في مظهره لأول وهلة.
تواجده في الصباح الباكر ومنظره الغريب بعض الشيئ ، وهو يبحث عن مسلك بين عيون تراقبه من بعيد لأنها لم تألفه من قبل، جعل منه شخصا متميزا، يشار إليه بالبنان، وعرضة لكلام وهمسات الأفواه التي تنطق بكلمات معبرة عندما تعجز لغة الإشارة في التبليغ عن الهدف والغاية.
كان وسيما مهذبا لطيفا رغم تعاقب السنين وقهر الزمن، فكان الجدية والصرامة والإنضباط هو، تهابه النفوس وتطمئن إليه القلوب وتطيب معه العشرة.
إنه دحمان الضيف الدي حل في المدينة بشحمه وعظمه، في مهمة كلف بأدائها في مدة محددة تاريخا ومكانا وإنجازا وأداء.
عاين دحمان المدينة واكتشف كل مداخلها ومخارجها، حتى عوراتها لم تسلم من إجراءته، وفوق كل ذلك كان بشوشا صارما في أدائه، متسامحا في بعض قراراته التي اتخذها في مهمته.
اكتشفت عيناه على حين غفلة من بين العشرات ، ذات الحسب والنسب وهي تتمايل في لباس أنيق متميز بألوان ربيعية قد تجذب الفراشات الطائرة ، في قد مياس كشجرة صنوبر صامدة في وجه ريح عاتية، وهي في انتظار سرب من حمام زاجل اعتاد النزول فوقها.
وكانت هي الحمامة التي تشرئب إليها العيون من كل صوب وحدب، تريدها في قصورها ساكنة معششة.
رؤية دحمان لجمالها، جعله يثبت ويسكن ويجمد مكانه، كوتد غرس منذ أمد بعيد ليبقى لا ليتحرك. ثم صلى على النبي العربي ثلاث مرات، وشكرا الله ثلاثا ليثني على الخالق المبدع في خلقه، وكاد أن يسجد -لولا ضيق المكان- تعبدا وشكرا للواحد المصور
اهتزت مشاعر دحمان كشجرة بلوط ألقت بثمارها وظلالها من جراء ريح عاتية، ليستفيد من سخائها كل قريب، سواء كان إنسانا أو حيوانا أو طيرا.
أما دحمان فقد تصبب عرقا وارتفعت درجة حرارة جسمه، حتى كاد يغمى عليه من جمال وروعة ما رأى، ثم إنزوى يفكر ويتدبر ذكريات الصبا وحبه الأول، الذي لم ينته أبدا.
عبثا .. حاول دحمان النسيان، وعدم الإكتراث، لكن كانت صورتها ولا شيئ غيرها في ذهنه ، ثم تحدث مع نفسه قائلا: أحب.. حل به؟ ليشمله بنعمه ومتاعبه؟ فهو هنا عاشق بالتاكيد، لكن أيكون معشوقا كذلك ؟ هناك نظر في الموضوع.
ثم توقف دحمان عن السير والحركة، وكأنه يريد أن يجد صديقا حميما وفيا ليقص عليه ما رأى، وماسمع ، ويعطيه ما يحس به من داخله، ويخبره بحقيقة ما جرى له في هذا اليوم، فقد أصبح كالطفل براءة، وكالمجنون حركة، وكالفقيه حكمة ورزانة، وكالفيلسوف حيرة وتساؤلا.
ثم نظر في اتجاهات مختلفة، وضرب برجله على الأرض، كمن يريد خرقها، أو كحيوان ضعيف خائف، لينذر فصيلته من خطر وحش متربص قادم نحو القطيع ، ليقول دحمان: وبمنتهى الجرأة.
أحببتها..أحببتها .. نعم أحببتها!.
فالحب من دونها لا طعم ولا ذوق له ، ثم غادر المكان من غير أن يترك أثرا
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire