جاء متكلما كمن كان طول حياته أبكما ، كأنه يريد أن يعوض مافاته من كلام ضاع منه، ليقوله تحت الأضواء الكاشفة ، فكان خطيبا بارعا، يبيع الخطابة كما يبيع بترول بلاده، حتى ارتقى إلى أسمى الدرجات في فن الخطابة، كما ارتقى سعر بترول بلاده ليتجاوز سقف المائة دولار.
كان نرجسيا فاتنا ، أحب الحياة وعاشها من فتوته إلى كهولته، شارك و تفاعل مع كل الإنقلابات التي قادها رجال من بلاده ، حسب واعتد منهم ومعهم، فكان البطل المغوار والخبير النادر لعصره.
أمسك بيده كل شيئ وتفاوض بطريقته ، فحجر على الصقور من جيشه ، ودجنهم إلى رتبة حمائم مطيعة، لتكبر فراخها لاحقا وتصبح مهجنة ما بين الصقر والحمامة. عرف كيف يتعامل مع الجميع ، ليطوعها تحت سلطته التي لم تكن لتسمح وتعترف إلا باسمه.
هذا النكرة الذي أصبح معرفة ، بل علما، بعدما قزم كل صوت معارض، فرض نفسه كقديس منقذ لبلاده أو هكذا شبه له ، تبرك به شعبه واعتبره هبه الله لبلاده.
صال وجال وتجبر، ولم يخضع يوما للمساءلة ، فكان طاغية عصره، عبث بالمؤسسات وعطل الكثير منها، وقرب الناس إليه حسب مزاجه ، كافأ حسب الولاء له، وعاقب على قدر المعارضة له.
كان في بلاده ، كبرق خاطف للبصر، في سماء مظلمة ، تنذر بسقوط أوبئة مبيدة لشعبه، وثروات بلاده، ومع ذلك ظل قاعدا يتنفس نرجسية، كأنه الوحيد الذي كتب له أن يحكم شعبه.