لم يعد الاحتكار حكرا على الاقتصاد فحسب، بل امتد إلى السياسة وممارسة الحكم والسلطة في البلاد و الأنظمة العربية الشمولية ذات الواجهات الديمقراطية التي تقلّد الغرب خوفا منه واطمئنانا على بقائها في الحكم أبد الدهر، بتبادل المهام والأدوار بين المنتفعين بالريع ومزايا السلطة.
لذلك تلجأ هذه الأنظمة إلى إلى تأسيس الأحزاب الصورية ، والجمعيات الموالية ذات الولاء للزعيم المتشبث بالحكم تمجيدا وتقديسا له، مقابل عمولات تدفع لها في شكل رشاو شرعية أو هبات متعددة ، كالمشاركة بعنصر أو إثنين من عناصرها في بعض السلطات الصورية كالبرلمان أو في الحكومة على المستوى المركزي أو المحلي .
هذه الممارسة الاحتكارية تقوم على الدعاية الضخمة ،تسخّرفيها إمكانيات الدولة والمجتمع ككل ، ومداخله في خدمة الزعيم وأعوانه والمرتزقة من مختلف الأطياف والفيئات، وكل ما له علاقة بإثارة الشغب والفوضى إسكاتا له ، بشراء الذمم بفتات الموائد المتبقية في مأدبة المحتكرين للحكم والسلطة.
وهكذا ظهر المتشبثون بتقديس الزعيم والدفاع عنه بالنواجد ، من أثرياء الرعاع والعامة والجهلة، الذين يركعون وقد يسجدون ويصفقون للزعيم خوفا وطمعا، ولله مظهرا لا تعبدا وتقديسا.
هذا السلوك غير السوي ، ليس وليد اليوم فقط ، بل هو تاريخ وثقافة سادت ولا تزال تسود المجتمعات العربية عبر التاريخ، حيث صنعت أمراء سلاطين وملوك وأباطرة ورؤساء مستبدون، سكنوا الكراسي وأحرقوا وقتلوا كل من يقترب ، أو يحاول التقرب أو الاقتراب منهم لزحزحتهم من واجهة الحكم.
وهكذا كان لنا الاختيار بين أشرس أسماء الحيوانات إفتراسا.. كالأسد والفهد، وكل أنواع النعوت في المجاملات تزلفا كأصحاب الفخامة والسمو والمعالي ..لأنهم أباطرة في الأرض، أسودا على شعوبهم ونعاجا أمام من آزرهم من الغرب وعملائه.
فكانوا كلما ظهروا في مدنهم تجمّع لهم الخلق ، طمعا وخوفا وحبا، ولا تسمع حينها في الفضاء إلا ّذكر أسمائهم وجيوشهم تردد ، وتقطع السبل بين الناس ، فيظن القادم أو الناظر لهم ، أن الحياة من غيرهم قد إنتهت.
ذلك هو حال التخلف، عندما يتجذر ويتشّبث بالبقاء في عقول مورس عليها كل أنواع المسخ والدّجل والتطهير، فمرضت وتورّمت بمرض قد تحوّل إلى وباء خبيث لا تصلح معه أي أدوية فلا يعالج إلا بالاستئصال من الجذور.